لأسباب تتأرجح بين العوامل السياسية والاقتصادية ، وكنتيجة لكثير من الإخفاقات والهزائم التى ألمت بالوجدان العربى المعاصر؛ فإن حالة من السيولة العقلية والتشوش الذهنى قد حاقت ببعض التوجهات الفكرية العربية ، وأدت إلى جرها إلى الخلف ، وتحويل نظرها إلى الوراء فيما يشبه الردة الثقافية ، أو قل إن شئت ( التقدم إلى الخلف ) على ما فى العبارة من مغالطة لفظية مقصودة .
فنحن نشهد فى الفكر العربى المعاصر نزوعا ارتداديا ، لاجترار أفكار الماضى واستحضار رموزه ، وتضخيم مآثره ، وتكريسها كمرجعية أولى وربما وحيدة ، بشكل يشى بحالة من الإفلاس الفكرى ، الذى يعد استجلاب القديم وإلباسه ثوبا عصريا من أبرز تجلياته ، وكأن مستقبلنا مرهون بالنظر إليه من الماضى ، أو أن العقل العربى لا يمكن أن يفكر إلا انطلاقا من ( أصل ) أو بتوجيه منه ، أصل يحمل سلطة السلف إما فى لفظه أو فى معناه، وبآلية فى تحصيل المعرفة – ولا أقول فى إنتاجها – قائمة على مبدأ المماثلة أو المقاربة أو التجويز ، كقانون شبه عام يرتكز على منهجية مأمونة هى ( السلفية ) .
والسلفية - كما هو واضح من منطوقها – ليست مذهبا فكريا فى ذاتها ، ولا تدور فى فلك معرفى نسقى محدد ، له خارطة طريق علمية ، وإنما هى طريقة أو منهج للتفكير من الوراء ، يمكن تسميته بالمنهج الإنتكاسى أو الارتجاعى أو الارتدادى، وهو منهج تحتم وجوده حالة الشلل الإبداعى التى تصيب عقل أمة فى مرحلة تاريخية حضارية معينة ؛ فيصبح التماس الماضى والتوسل بمخزونه الفكرى مخرجا اضطراريا للخروج من المأزق العقلى الراهن ؛ ذلك أن العلاقة بين الحالتين عكسية تماما ؛ فكلما استشرى العقم الإبداعى وأفل نجم السرديات المواكبة لحركة العصر والمسايرة لاتجاه التاريخ ؛ كلما ازدهر المنهج الارتدادى كآلية بديلة للبحث عن الذات فى أصول قديمة .
وعلى هذا النحو ، فإن السلفية هى لحمة هذه المنهجية وسداها ؛ فهى من أبرز الأعراض لمرض التكلس الفكرى الذى يوقف العقل عند مجموعة من أصول مغلقة على نفسها عقديا وحضاريا ، و يرى فى الخروج عن سلطة القديم مروقا عن الأصل ، وفى محاولة تجاوزه هتكا لأستار المقدس ، باعتبار أن السلفية والأصولية صنوان بشكل أو بآخر،
يتبادلان الاعتماد على بعضهما فى الغاية ، ويتناوبان الدور فى جعل سلطة الماضى هى صاحبة القدح المعلى بين كل الأسس المرجعية . ولا شك أن الأصولية فى جملة الاتجاه الماضوى مفعول به ، كتراث فكرى عتيق مضى زمانه ، وأصبح لا حول لأفكاره ولا قوة إلا بمحاولة السلفيين نفخ الروح فى مواتها ، وهنا تكون السلفية هى الفعل والفاعل فى جملة الماضوية ، التى تمارس بها وعن طريقها عملية التعاطى مع النص القديم وتدين له بالولاء المطلق . بعبارة موجزة ، يمكن القول أن الأصل أوالنص القديم أو الموروث الأثير هو الهدف أو الغاية ، بينما الاتجاه السلفى هو طريقة أو منهج أو أداة الوصول ( أو الرجوع ) إلي تلك الغاية ، التى يراها أتباع ذلك النهج أصل الأصول .
والواقع أن ( الأصولية ) ليست حكرا على زمن معين ولا ديانة بعينها ولا شعب دون غيره ؛ فهى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ ، وتتبدى ملامح ممارساتها فى اليهودية والمسيحية والإسلام ، وفى كثير من الملل والنحل والأيديولوجيات ، وتختلف تجلياتها العقدية باختلاف البنية الحضارية للأمم والشعوب ، ومدى عمق الأزمة التى تدفعها إلى استجداء التاريخ والتعويل على أمثولاته . وربما كان قمع الأديان أو محاولة تأويل ثوابت نصوصها بشكل غرضى ، يأتى على رأس الأسباب التى ساهمت فى تنامى الفكر الأصولى بصفة عامة ، فاليهود يؤمنون بأصل التوراة ويختلفون حول تفاصيلها ، والبروتستانت يؤمنون بالمسيح مثل الكاثوليك وليس لهم كتاب إلا الإنجيل ، ولكنهم يختلفون عن الكاثوليك فيما عدا ذلك ، والمسلمون لا يختلفون على أصل القرآن ولا على كثير من السنة النبوية ، إلا أن الإختلاف فى تخريج الأصول من الفروع وإعمال القياس والاجتهاد ، هو ما أدى إلى اختلافهم فرقا ومذاهب وجماعات . وعلى الرغم من عولمة الأصولية ( إن صح التعبير ) فإن جانبها الإسلامى العربى عموما ، وتفريخه للاتجاه السلفى فى مصر على وجه الخصوص ، لهو بيت القصيد فى مقالى هذا .
لقد كنت عازما فى الأصل على عنونة هذا المقال بعنوان زاعق هو ( بدعة الأصولية ) كتسمية مضادة لفلسفة الأصولية ، ونهجها شبه التكفيرى لكثير من مستحدثات العصر ، ولكنى تذكرت كتاب الدكتور/ زكى نجيب محمود (خرافة الميتافيزيقا) الذى أصدره فى منتصف القرن العشرين ، منتقدا فيه – بشكل علمى - بعض منهجيات التفكير الفلسفى ، ويبدو أن عنوان الكتاب قد جاء صادما للبعض ، فأثار عاصفة شديدة من النقد، اختلطت فيها الفلسفة بالدين ، ونحى فيها العلم جانبا، مما جعل الرجل يعيد نشر كتابه فى الطبعات اللاحقة تحت عنوان آخر هو (موقف من الميتافيزيقا ) فوعيت أنا الدرس . وعلى الرغم من قناعاتى العلمية المجردة بأن الأصوليين يبتدعون للفكر بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ، حينما يحاولون وقف العقل على العيش تحت أقبية الماضى ، وحبسه فى سراديب التاريخ ، وهى بدعة يناقضون بها نهجهم فى تحريم – ولا اقول تكفير – الابتداع ، فأزعم أن قولى ببدعة الأصولية فى هذا الشأن لم يكن ليجافى الحقيقة ، فليس أكثر سوءا فى الابتداع من الدعوة إلى تعطيل العقل وعرقلة بل و تكبيل ملكاته ،
وهى مخالفة صريحة لأوامر الله فى التعقل والتدبر والتبصروالتفكر والاعتبار ، فضلا عن أنها تجىء من ألد خصوم ومناهضى الابتداع . غير أنه إيثارا للسلامة وتجنبا لمظنة المهاجمة أو حتى التحيز ، فقد آثرت أن يكون عنوان مقالى أكثر نعومة وأقل وطأة ( نقد العقل السلفى ) وأظننى بذلك لا أبتدع ، بل سرت على درب مدرستهم فى التقليد أوالمحاكاة ، وجاء تقليدى لأناس من أبناء جلدة تخصصى ( الفلسفى أصلا ) ثم السياسى فرعا ، فقد وضع كانط من قبل ( نقد العقل الخالص ) ووضع كذلك ( نقد العقل العملى ) ووضع سارتر ( نقد العقل الجدلى ) ومن المفكرين العرب وعلى نفس الشاكلة ، وضع محمد عابد الجابرى ( نقد العقل العربى ) كل ذلك فى سياقات تحليلية فاحصة لمسارات العقل ، وكاشفة لمناحى الشطط والمغالاة فى اتجاهاته ، وعلى ذات الدرب سأحاول المسير .
وإذا بدأنا بالأصل اللغوى لكلمة سلفية ، نجد أنها مشتقة من كلمة ( سلف ) بفتح السين واللام ، ويكشف عنها معجميا فى مادة ( س ل ف ) وتعنى – كما جاء فى لسان العرب – ما مضى وانقضى ، وسلف الرجل هم آباؤه المتقدمون ، ومفردها سالف ، وهو كل من تقدمك من آبائك وذى قرابتك فى السن أو الفضل . أما كلمة ( السلف الصالح ) فيقصد بها - إصطلاحيا - المسلمون الأوائل من الصحابة والتابعين وتابعى التابعين ، الذين عاشوا فى القرون الثلاثة الأولى للإسلام ، والذين أثنى عليهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله : ( خير الناس قرنى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يأتى بعد ذلك أناس يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، ويكون فيهم الكذب ) صححه الألبانى . ويستثنى جمهور أهل السنة من ذلك بعض الفرق ، مثل الخوارج والشيعة والمعتزلة والقدرية والجهمية وغيرها . والمذهب أو المعتقد السلفى هو ماكان عليه هؤلاء الصحابة وأتباعهم فى تلك الفترة ممن شهد له بالإمامة وعظم شأنه فى الدين ، وتلقى الناس فكره خلفا عن سلف ، ومن هؤلاء : الأئمة الأربعة المعروفون ، وسفيان الثورى ، والليث بن سعد ، وابن المبارك ، وإبراهيم النخعى ، والبخارى ، ومسلم ، وكل أصحاب السنن . أما السلفيون ، فهم الذين يعتقدون معتقد هذا السلف الصالح ، وينتهجون نهجه فى فهم وتطبيق القرآن والسنة .
وترجع بداية السلفية إلى القرن الثالث الهجرى ، كمدرسة للحديث والأثر برزت تحت قيادة أحمد بن حنبل لمواجهة المعتزلة فى العصر العباسى ، حيث كان مفكرو المعتزلة ينتهجون نهجا عقليا خالصا فى قراءة النصوص وتأويلها ، مسلحين بأصول منطقية ذات أصل إغريقى ، عن طريق ما ترجم من اليونانية القديمة إلى العربية آنذاك ، فرأى أهل الحديث فى هذه المناهج العقلية خطرا يهدد صفاء الإسلام ونقاءه ، وينذر بتفكك الأمة وانهيارها . وقد تسبب ذلك فى محنة ابن حنبل المشهورة ، فقد تم سجنه وتعذيبه والتنكيل بأتباعه من جانب ولاة أمر السلطة السياسية الحاكمة ، إلى أن تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة ، فأطلق سراحه ، وانتصر لمنهجه ومعتقده . ثم انتشرت الحنبلية إبان القرن الرابع الهجرى ، واتخذت طريقتها الظاهرية فى فهم النصوص كمنهج رسمى للدولة العباسية فى عهد الخليفة القادر بالله ، بناء على منشور ( العقيدة القادرية ) الذى كتبه الخليفة ، وأخذ عليه توقيع العلماء والفقهاء ، وأمر بتلاوته فى المساجد يوم الجمعة .
ثم شهدت السلفية انحسارا ملحوظا ، شعبيا وسياسيا ، بعد انقسام الفقهاء والمحدثين المسلمين إلى حنابلة وأشعريين ، وقد قوى جانب الأشاعرة لفترة من الزمن واشتد عود مذهبهم ، وتبنى بعض الحكام والأمراء فلسفتهم ، إلى أن ظهر تقى الدين أحمد بن تيمية فى القرن السابع بالتزامن مع سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية على أيدى التتار ، فعمل ابن تيمية خلال هذه المحنة وبدافع منها على إحياء المذهب السلفى ، وشن حملة ضارية على من اعتبرهم مبتدعين ، داعيا إلى التمسك بمذهب السلف ، من أجل الخروج من نفق الأزمة وتحقيق النهضة المنشودة ، وقد أثرت دعوته فى كثير من الأوساط الإسلامية آنئذ ، واستجاب لها بعض أقرانه وطلابه مثل المزى والذهبى وابن القيم وغيرهم . ثم شهدت السلفية انحسارا مرة أخرى ، ولكن لفترة طويلة هذه المرة ، إذ لم تعاود الظهور إلا فى القرن الثامن عشر الميلادى ) الثانى عشر من الهجرة ) متمثلة فى دعوة محمد بن عبد الوهاب فى الجزيرة العربية ، والتى واكبت عصر انحطاط دولة الخلافة العثمانية وصعود الإستعمار الغربى . وقد أثرت الوهابية – كمرجعية للسلفية المحدثة - على معظم الأقطار العربية ، وأثارت لغطا مذهبيا كبيرا بين مؤيديها ومعارضيها منذ ذلك الحين ، خصوصا بعد ما عرف من تحالفاتها المشبوهة مع آل سعود ، فى صفقة تسهيل وتمرير وتبرير سيادة الأسرة السعودية على الحجاز ، مقابل إطلاق يد الوهابية فى نشر دعوتها ، وكف يدها عن العمل السياسى .
فقد تحالف محمد بن سعود ، حاكم منطقة الدرعية والمؤسس الأول للدولة السعودية فى أواخر القرن الثامن عشر، مع محمد بن عبد الوهاب ، الراعى الرئيسى للاتجاه السلفى آنذاك ، تحالفا وجد فيه ابن سعود أن فى دعوة ابن عبد الوهاب غطاء شرعيا ، يمكن من خلاله تحقيق حلمه بالسيطرة على الجزيرة العربية ، فيكون حاكمها الأوحد ، وقد كان . فبموجب هذا الاتفاق أغار ابن سعود بتوجيه من ابن عبد الوهاب على كثير من العرب ، بدعوى أنهم مشركون كمشركى الجاهلية الأولى ، فقتلوا من قبائل المنطقة أعدادا كبيرة ، ونهبوا إبلهم وأغنامهم وأمتعتهم ، وغزوا الطائف ومكة والمدينة ، وزحفوا إلى كربلاء وقتلوا أغلب أهلها فى الأسواق والبيوت ، وكذلك فعلوا بالنجف والبصرة وعمان والكويت وغيرها من الحواضر العربية ، واستولوا خلال ذلك على كل ما وقعت عليه أيديهم ،وقد دانت لهم معظم أقاليم شبه الجزيرة ، وظل الأمر هكذا إلى أن أرسل محمد على والى مصر سنة 1812 – بإيعاز من الخليفة العثمانى – جيشا جرارا بقيادة ابنه إبراهيم ، فقضى على الوهابية ، ولاذ ابن سعود بالفرار، وبقى الجزء الذى سيطر عليه إبراهيم تحت السيادة المصرية ، حتى تراجعت مصر عنه فى أواخر عهد محمد على ، بعد الحرب بينه وبين العثمانيين ، والتى انتهت بهزيمته رغم اقترابه من الأستانة ، بسبب التدخل الأوربى لصالح الخلافة العثمانية ، خشية امتداد نفوذ محمد على إلى القارة الأوربية وتوغل الجيش المصرى فى أوربا ، أى والله ...! وفى بدايات القرن العشرين ، استطاع عبد العزيز بن سعود من تأسيس الدولة السعودية الثانية وأعلنها مملكة ، وتمكنت الوهابية مرة أخرى من تنظيمٍ نفسها وترتيب صفوفها .
وقد غلب على فكر وممارسات السلفيين الوهابيين بصفة عامة طابع العنف والتشدد فى الدين ، وإلباسه ثوبا سياسيا ، بشكل جعل البعض يطلق عليهم اسم ( خوارج العصر ) . فمنذ نشأة الحركة وسهام النقد تنهال عليها من كل اتجاه ومذهب ومدرسة ، ذلك أنهم أفرطوا فى تضليل وتفجير وتكفير كل من خالفهم الرأى والرؤية ، فقد كفروا الشيعة الإمامية ، وكثيرا من رجال الصوفية ، وتعرضوا لأئمة وعلماء السنة بالتخطئة والتبديع ، مثل ما فعلوا مع : الشوكانى ، والشاطبى ، والنووى ، والسيوطى ، والرازى ، والباقلانى ، والغزالى ، وابن حجر الهيتمى ، وابن حجر العسقلانى ، وتاج الدين السبكى ، ومن المتأخرين : محمد متولى الشعراوى ، ومحمد الغزالى ، ومحمد على الصابونى ...إلخ . وقد قاموا بتزوير بعض أمهات الكتب فى التراث الإسلامى ، عندما قاموا بحذف وتغيير ما يخالف منهجهم فيها ، مثل ما فعلوا بكتاب ( الأذكار ) للنووى ، وحاشية ابن عابدين الحنفى ، وحاشية الصاوى على تفسير الجلالين ، وحذف الجزء العاشر من كتاب ( الفتاوى ) لابن تيمية ، وهو الجزء الخاص بالتصوف ، الذى يمقتونه مقتهم للزندقة .
لذلك فقد شن علماء السنة على السلفية الوهابية حملة انتقادات بدأت مع بداياتهم ، ولا تزال ضارية حتى اليوم ، وكان على رأس منتقديها : سليمان بن عبد الوهاب الحنبلى ، وهو شقيق محمد بن عبد الوهاب ، وذلك فى كتابه ( الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية ) وأحمد زينى دحلان ، مفتى المالكية فى مكة ، فى كتابيه ( فتنة الوهابية ) و (الدرر السنية فى الرد على الوهابية ) والصاوى المالكى ، صاحب ( الحاشية على تفسير الجلالين ) ويوسف الرفاعى ، فى كتابه ( نصيحة لإخواننا علماء نجد ) ومحمد سعيد البوطى ، فى كتابه ( السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامى ) بالإضافة إلى علماء آخرين كثر من مشايخ الأزهر والزيتونة والقرويين .ٍ
أما ثالثة الأسافى – كما يقولون – فهى نزعة الهمجية السلوكية ، والتى لا غرابة فيها ، لكونها التعبير العملى عن مخزونهم الفكرى ، فكل امرىء سجين خبرته العقلية ، ومن ثم فكل سلوك هو تفريغ أو توقيع للبناء الفوقى ( العقل ) على البناء التحتى ( أرض الواقع ) فما عسانا ننتظر من عقيدة تم نشرها بل إرغام الناس عليها بحد السيف ، إلا أن يقوم دعاتها بالتخريب المجتمعى الممنهج ؟ فدعك من أنهم لا يجادلون إلا بالتى هى أسوأ ، وأنهم يستخدمون العصا فى الأمر بالمعروف ، وهو ما يجعل النفس البشرية تتوق إلى مقارفة المنكر ، ودعك من أنهم يحرمون كثيرا من المناسبات والاحتفاليات التى رسخت فى ضمير الأعراف والتقاليد الاجتماعية ، و دعك من تركهم لعظائم الأساسيات وكبريات الأصول ، وانشغالهم بتوافه الفرعيات والتفاصيل التى يكثر حولها الخلاف دون أن يفسد للود قضية ، دعك من كل هذا ، وانظر معى إلى القتل العمدى لشواهد التاريخ واغتيال الحضارة : لقد قاموا بهدم مكان ولادة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ، وبيت الصحابى أبى أيوب الأصارى ، ومرقد الزبير بن العوام بالبصرة ، وبستان سلمان الفارسى الذى كانت فيه نخلة كان النبى قد غرسها بيده ، وردموا بئر العين الزرقاء ، وبئر أريس ( بئر الخاتم ) ودكوا القباب والأضرحة وقبور الصحابة ، فعلوا ذلك بلا تردد ، ودون أن ترتجف لهم يد ، على ما كان يمثله كل هذا من قيمة تاريخية وأثرية للمسلمين وغير المسلمين لا تقدر بثمن ، فعلوا ذلك خشية الردة أو الافتتان . فهل يا ترى كان المسلمون يفكرون فى عبادة نخلة سلمان الفارسى؟! ثم هب أنهم كانوا بهذه الهشاشة الإيمانية ، أسيكون مجديا معهم ردم الآبار وهدم الأضرحة ؟!
لكل ما سبق عاش الفكر الوهابى فى جدلية صراع لم تنته ولن تنتهى ، والواقع ان الصراع بين الوهابيين وأعداء حركتهم ، وبين الوهابيين المتشددين وآل سعود ، وبين آل سعود وخصومهم من القبائل التى كانت تنازعهم الحكم والسيطرة ، كل ذلك قد حال دون انتشار الوهابية خارج حدود الجزبرة العربية لفترة طويلة ، إلا أنها استطاعت بعد ذلك التوغل داخل أقطار عربية كثيرة ، وكان لاكتشاف النفط فى المملكة واستقطاب العمل فى مجالاته لكثير من الطامحين إلى ريالاته ودولاراته ، دور لا يستهان به فى تصدير هذه المنظومة الفكرية إلى خارج السعودية ، ومن ثم أصبح للسلفية الوهابية داخل الأقطار التى صدرت إليها مندوبون ووكلاء حصريون ، وكانت مصر - بطبيعة الحال - من أوائل الدول التى تسللت إليها هذه السلفية .
وكانت البداية بتمكن الوهابيين من استقطاب محب الدين الخطيب ، الذى هرب من الشام إلى مصر خوفا من بطش العثمانيين ، الذين اتهموه بالانضمام إلى جمعية ( تركيا الفتاة ) المناهضة للخلافة العثمانية ، وقام الخطيب بتأسيس المطبعة السلفية ومكتبتها بمنطقة الروضة بالقاهرة ، والتى تولت طباعة كتب ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم ، وغيرهم ممن تتماشى مؤلفاتهم مع الخط الوهابى . ثم تمكنت الوهابية من اجتذاب أحد رجالات الأزهر وهو الشيخ محمد حامد الفقى ، الذى قام بتنظيم أول قاعدة وهابية منظمة فى مصر، وهى ( جماعة أنصار السنة ) التى كانت تدعوا للوهابيين من فوق المنابر ، والتى أصدرت مجلة ( الهدى النبوى ) والتى تغير اسمها عام 1926 إلى (التوحيد) ولا زالت تصدر حتى اليوم . وفى العصر الملكى امتد التغلغل الوهابى إلى كثير من الأزهريين وبعض المثقفين ، وألقى بظلاله على شباب حركة الإخوان المسلمين ، الذين تشربوا مع كتابات ( الإمام حسن البنا ) كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب وغيرهم . وبعد ثورة 1952 توقف نشاط جماعة أنصار السنة بعد انقلاب عبد الناصر على الإخوان المسلمين إثر حادث المنشية1954 ، وازداد العداء للمنبع السعودى للوهابية . ثم جاء السادات متبنيا فى هذا الشأن خطا معاكسا للاتجاه الناصرى ؛ إذ فتح الباب على مصراعيه للمد الوهابى ، كقوة ضاغطة على الاتجاهات اليسارية والقومية التى كانت تناصبه ويناصبها العداء ، حيث تصور أن تنامى هذه الجماعات وإطلاق يدها وفكرها
قد يطيل عمر سلطته ، فإذا بهم يقتلوه . أما مبارك ، فلم يكن يعر السلفيين بالا من الأساس ، وما كان ينبغى له ؛ لأن الاتجاه السلفى دونا عن غيره من كل الفصائل الدينية فى مصر كان داجنا ، فلم يكن يشكل خطرا سياسيا على النظام السياسى فى مصر مبارك ، بل كثيرا ما استفاد نظام مبارك من هذا التدجين فى توطيد أركانه ، وشرعنة سطوته ،
ومباركة جبروته .
لقد عاش التيار السلفى فى مصر طوال كل تاريخه تقريبا ، قابعا فى المساجد قبوع القواقع فى أصدافها ، مؤمنا بأن ساحة عمله ( لا تستحب ) إلا بين جدرانها ، وأن إعمال فكره ( لا يجوز) إلا بين صفحات كتب الفقهاء القدامى والمحدثين ، وأن نشاطه ( لا يحل ) إلا بالعيش فى أضابير الماضى ، والتدثر بغطاء السلف ، والتشرنق داخل أفكار القرون الثلاثة الأولى للإسلام ، كأردية تقي السلفيين شر الاجتهاد العقلى ، وتجنبهم مزالق التجديد ، ومغبة الاستنارة ، ومخاطر التحديث ، وذلك إعمالا لنقيصة اعتقادية وسلوكية شنعاء ، مفادها ( هذا ما وجدنا عليه آباؤنا الأولون ) ولعمرى ماعصى الله بأبشع من هذه القالة . وعاش السلفيون فى خلافات لا تنتهى حول أمور قد لا ترقى فى حكمها الشرعى إلى مستوى المندوبات ، وتاه فى هذا الزحام ما كان يجب الاعتصام به ، من حكمة التدرج وفقه الأولويات وفقه المقاصد والمصالح المرسلة ، إلى غير ذلك من فرائض كنا أحوج ما نكون إلى إحيائها وتدبرها ، لو كنا حريصين على الانتماء لمنهج السلف الصالح ٍالحقيقى ، الذى استطاع توظيف فقه الواقع وتفعيله فى سياقه التاريخى المعاش . ولم يكن أجدر بهذه المهمة من المنهج السلفى ( الصحيح ) لأنه الذى يملك عصمة المرجع ، وينطلق من ثوابت وأصول راسخة ، شكلتها آيات الوحى وأحاديثه، وجعلت منه الأصل المعصوم الذى لا يقبل الاحتواء المذهبى ، ولا الإلغاز العقلى أو المحو التاريخى . كنا فى حاجة إلى سلفيين يعيدون صياغة الواقع وضبطه على القواعد الكلية لعلم أصول الفقه ، أكثر من حاجتنا لمنغمسين إلى أذقانهم فى الفروع ، يحللون – بناء عليها – ويحرمون ، ويزندقون ويفجرون ويفسقون ، بناء على نصوص يحفظونها ولا يفقهون لها فى الغالب دلالة ولا فلسفة .
إن تقزم أمتنا الإسلامية ورخاوتها بين الأمم ، ليس كامنا فى عملقة الغير وصلابته ، بقدر ما هو متمثل فى وهن الأنا وخور الذات ، ومن ثم فإن قابليتنا شبه الإرادية للخروج من دائرة التاريخ تحتاج إلى عصف فكرى ، يكشف عن الأسباب البينة والمسكوت عنها لاستعدادنا الفاضح لأن نحيا على هامش العصر ، وأن نغرد منفردين خارج مسارات الزمن ، راضين أن تنعق فى أوديتنا الفكرية كل غربان التخريب ، وتضحك من جهلنا أمم كنا نعدها من المتخلفين ، ونطلق عليها – تعاليا منا – اسم الأعاجم أو العلوج . فهل مشكلة المسلم العربى فى القرن الحادى والعشرين ، والذى يتصور السلفيون أنهم حراس دينه وحماة عقيدته ، يمكن اختزالها فى النقاشات العقيمة حول طول الجلباب ، وهندسة اللحى والشوارب ، وفقه دخول الخلاء ، وأيديولوجية السواك ، ومذهبية أوراد الصباح والمساء ، وفلسفة الحجاب والنقاب ، إلى غير ذلك من سفسطات فرعية سقيمة ، أهدرت من وقتنا وجهدنا ما كان يمكن أن نسابق به الأمم فنسبقها ؟ . إن وقت المسلم أثمن من أن تلتهمه هذه الترهات وهذه السفاسف الهامشية التى لاتنتج قمحا ولا تصنع طائرة ، بل تضيع بسببها أولويات هى من لوازم العصر ومقتضياته الحيوية ، العصر الذى غيبنا الخدر الفكرى عن واقعه الحى المنظور والملموس ، ففقدنا الإحساس بنبضه ، واستمرأنا العيش داخل كهوف الماضى ، نجتر منه ما عفا عليه الدهر وأصبح من مخلفات التاريخ .
أفلا يعلم المتفيقهون أن فقه الأولويات مقدم من الناحية الشرعية على ما يشغلون به أنفسهم من أساطير أنزلوها منازل التقديس ؟ وأن التشدد والغلو والتنطع فى الفرعيات يأتى على حساب التساهل والتهاون والترخص فى فقه الأولويات ؟ وكلا الأمرين – التشدد فى الفروع والتساهل فى الأصول – مذموم شرعا . أضف إلى ذلك أن خطر المغالين فى الدين أشد على الدين نفسه من خطر المفرطين فيه ؛ ذلك أن المغالين يتدينون بحماس شديد وعلم قليل ، فيحسن الناس الظن بهم ، وقد يجعلون من الدين ما ليس فيه ، ومع تكاثر الأتباع وحسن الظن بالمتبوع ، يقع الناس –بحسن نية – فى المحظور . ثم إن التيسير على المسلمين فى أوقات معينة وفى أمور معينة مطلب شرعى له الأولوية على التشدد ، من باب فقه الواقع وجريا على الروح العامة لجوهر الإسلام ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وكان ( صلى الله عليه وسلم ) يوصى الدعاة بقوله ( بشروا ولا تنفروا ، يسروا ولا تعسروا ، إنما بعثتم مبشرين لا منفرين ) وقال ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ) وقال ( لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ) وقال ( هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ) إلى غير ذلك مما يذخر به جوهر الإسلام من وسطية واعتدال وصفاء ونقاء وبهاء ، لا يدع فى النفس البشرية مكانا لذعر أو تجهم أو عبوس أو اكفهرار ، وحاشا للإسلامٍ أن يكون باعثا على الحزن .
عاش السلفيون فى مصر داخل هذا الحجر الفكرى ، إلى أن اندلعت ثورة يناير2011 فكانت بمثابة العاصفة التى أزالت ركام سنوات التقوقع ، والانزواء القصدى عن تيارات الشارع السياسى وتقلبات أفكار المحدثين من ليبراليين وعلمانيين وغيرهم من ( الدنيويين ) فانفجر مع هذه الثورة بركان سلفى هادر ، حيرت أعاصيره عقول المفكرين والباحثين وكل المحللين السياسيين . لقد خرج السلفيون إلى السطح واستنشقوا هواء الثورة ، غير أنهم خرجوا مسلحين بكتبهم القديمة ، مرتدين نفس عبائتهم الفكرية العتيقة ، فانفجروا مع الثورة ، ولكن زلزال الثورة لم يحرك فى تصوراتهم ساكنا ولم يستطع هز أفكارهم . والحق أن السلفيين - قديمهم وحديثهم – يتميزون بعاطفة إيمانية جياشة وحس دينى متأجج ، غير أنهم يفتقرون إجمالا إلى الرؤية السياسية ، فبضاعتهم الاستراتيجية مزجاة ، وسوقهم الأيديولوجية كاسدة ، ولعل انعدام كلمة ( ثورة ) فى أدبياتهم التقليدية ، وخلو قاموسهم العقدى من مفردات الديمقراطية ، والدولة المدنية ، والمواطنة ، وحقوق الإنسان ، وما على شاكلة هذه التعبيرات ، هو الذى أفقرهم بشدة إلى الرشد السياسى ، وورط بعض كهنتهم فى تقحم القرن الحادى والعشرين بمفردات القرن الأول الهجرى ، عندما أطلق على نتيجة الاسفتاء الدستورى اسم ( غزوة الصناديق ) وورط البعض الآخر فى بعثرة الثورة عن طريق جرها إلى مسارات جانبية كادت أن تقل بركتها ، مثل إحراق الكنائس ، وإجلاء الاستعمار المسيحى عن أختنا عبير وأختنا كاميليا ، واحتلال عدد من المساجد التابعة لوزارة الأوقاف ، إلى غير ذلك من ممارسات جعلتهم محل الاتهام الأول فى كل الحوادث ذات البعد الطائفى ، وهو ما كان يشكل خطرا جسيما على إمكانية نجاح الثورة .
ومن عقيدة التحريم وفلسفة المهادنة ، قفز السلفيون فجأة وبدون سابق إنذار إلى براجماتية المزاحمة ، فأولئك الذبن كانوا إلى الأمس القريب يحرمون الخروج على الحاكم ، ويرون أن الانتخابات رجس من عمل الديمقراطية ؛ فإنهم سرعان ما انقلبوا على عقيدتهم ، وأسسوا حزبا سياسيا فى غضون أيام ، يوحى اسمه بأنه سيضىء ظلمة الحياة السياسية فى مصر ، واندفعوا – فرادى وجماعات - إلى التبشير بمبادئه ، وقد ساعد انحطاط مستوى الوعى السياسى لدى غالبية الشعب ، واقتصاره على الفئة التى تدعى عبثا أنها الصفوة ، وتدنى المستوى الاقتصادى والتعليمى لحوالى 40% من جملة أفراده ، وتراخى مؤسسة الأزهر وتراجع دورها الإرشادى المفترض أنه القيم على العقيدة ، وحالة الاحتراب الفكرى التى أوصلت كل الفصائل والأطياف إلى حرب أهلية باردة ، ساعد كل ذلك على حصول السلفية على أكثر مقاعد البرلمان بغرفتيه ( الشعب والشورى ) بعد حزب الحرية والعدالة ، الذراع السياسية لأبناء عمومتهم فى المذهبية ( الإخوان المسلمون ) وقد تجلت حالة المراهقة السياسية لأدائهم النيابى منذ اليوم الأول الذى أدوا فيه
القسم البرلمانى ( بما لا يخالف شرع الله ) .
وفى ظل نشوة هذا النصر الانتخابى الذى لم يكن يتوقعه حتى الذين أحرزوه ، ولم يكن بوسع العرافين أن يتكهنوا به ، صار الدجل السياسى هو العلامة البارزة للممارسات الكارثية للسلفية ، فبينما تصور البعض أنهم قد يتطرقون إلى مشكلات ناءت بحملها الأمة لسنوات ، ورزخت تحت نيرها لعقود ، منها : الفقر والبطالة والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والطاقة والأمن المائى وتنمية سيناء والصعيد والظهير الصحراوى ، ومشكلات تتعلق بالأمن القومى والعلاقات الخارجية ...إلخ ، فإن أحد أعضاء حزب الأصالة ( وهو حزب شقيق رضاعة لحزب النور ) قد أقام الدنيا ولم يقعدها برفعه أذان العصر تحت قبة البرلمان أثناء قيام أعضائه بممارسة وظيفتهم النيابية ، ناسيا أو متناسيا وفى الغالب جاهلا بمقولة الإمام مالك لابن عبد الحكم ، حين قام من مجلس علمه لأداء فريضة الظهر: يا هذا ، ما الذى قمت منه بأقل مما قمت إليه لو صدقت النية . ثم يشمر آخر عن ساعد الجد ، بعد أن فكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، وأفتى متطوعا بأن آفة هذه الأمة هى تعلمها للغة الإنجليزية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) وكان ( السلف الصالح ) يزن الترجمة بالذهب ، ولم يدر بخلد ( الأخ ) أن من كبريات آفاتنا العلمية عدم تعلمنا للغات الأجنبية . فإذا أضفنا إلى ذلك مسألة الانشغال المفرط بموضوع المواقع الإباحية ، والاهتمام المرضى بزى المرأة ومظهرها وعوار خروجها وعملها، واعتبارها بالجملة عورة اجتماعية ، لشككنا فى أن الثورة قد قامت أساسا لتحقيق أهداف جنسية ...! أفلا يستحضر كل ذلك فى أذهاننا حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم ) الذى قال فيه ( سيأتى على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها المصدوق ، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة ) .
وأخيرا ، فإن مقالى هذا لم يكن سوى مجرد استرعاء انتباه لبنية العقل السلفى ، ولم أقترب فيه من الشق الحركى أوالجهادى لهذا الفصيل ، أو ما يطلق عليه اسم ( الإسلام السياسى ) وتجليات ممارساته فى مصر والجزائر والسودان وأفغانستان وباكستان وغيرها ، كذلك لم أتعرض فيه لعلاقة السلفية الجهادية بتنظيم القاعدة ، وكل بؤر الإرهاب المتفرعة من هذا التنظيم والتى تعمل تحت وصايته ، فربما أضطلع بعمل ذلك لو قدر لهذا المقال أن يتحول إلى كتاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق