الثلاثاء، 15 أبريل 2014

أزمة فرحة - د. أمين السعدني

  -  كم كنت أتمنى اليوم أن أستطيع ملامسة الفرح واستنشاق عبيره ، وأن أغالب حالة التصخر الإنسانى البشعة ، التى تكلس القلب وتزدرى الضمير ، وأن أنتشل ذاتى التى توشك على الغرق فى أسن ذلك الدوار المقيت ، الذى ينهش الفطرة ويشوه الاستقامة ؛ غير أن تلك  الظروف العصيبة التى تجتازها بلادى ، فى هذه المرحلة الإستثنائية الحرجة من تاريخها ، قد جعلت نفسى لا تطاوعنى أن أقارف الشعور بفرحة قلما يحنو بمثلها الدهر ، وكأنى - والله – لو صافحت الفرحة فى هذه الظروف ؛ لأصبحت يدى ملطخة بعار الخيانة ، ولأصبحت كائنا مدنسا ، قاده السفه إلى أن يسقط  – بوحى الخزى - من ربا الشرف ومعارج الارتقاء ، إلى مدارك التدنى وسفوح الخطيئة ، فحقا ، ما أعز الفرحة وأندرها فى زمن القبح والتنطع ، وما أنأى الغبطة والحبور وأبعدهما عن ملاقاة الروح ، فى أيام القلق وليالى الإرتجاف .

   -  غير أنى قد وجدت لزاما على نفسى ، رغم غصة الحلق ومرارة الشعور بفقدان الصواب ، ورغم ما يكتنفنى من مأساة التلاصق البغيض بين الأسى والرضا فى هيكل إنسانى واحد ، وذلك العيش الذى يتأرجح بين فضيلة المبدأ وهوس الغواية ، رأيت فى خضم كل ذلك التشوش وذاك التيه ، أن أنتحل – ممتعضا - صفة الاستواء ، وأزف إليكم نبأ حصولى على وسام مصرى رفيع القدر ، يعلو قامتى ، ويسمو فوق هامتى ، ويجاوز كل دلائل ضعفى وأمارات بساطتى ، ذلكم هو ( جائزة الدولةالتشجيعية ) فى مجال الفلسفة السياسية ، ذلك الحقل العلمى الشائك الذى أنفقت جل عمرى بين دراسته وتدريسه ، والعيش تحت أقبيته وفى مجاهل سراديبه ، فجاءت هذه الجائزة فى ذلك المجال ، تتويجا أكاديميا رفيعا لجهد مضى ، أحمد الله أنى بذلته بكل دأب وتفان ( أو هكذا أدعى )  وتحفيزا حياتيا لجهد آت ، يلزمنى أن أحافظ - ما تبقى من عمرى - على دوام حسن الظن بى ( أوهكذا يجب ) .

  -  وإذا كان شكر الناس والاعتراف بأفضالهم من لوازم وموجبات الشكر لله سبحانه وتعالى ؛ فإنى أتقدم بأسمى آيات شكرى وتقديرى وعرفانى وامتنانى، وكل ما يربو على ذلك ويستعلى ، إلى أساتذتى الأجلاء وزملائى الأفاضل ، أعضاء هيئة التدريس الموقرين ، فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنوفية ، الذين آزرونى بإخلاص ، ووقفوا بكل نبل وشموخ وراء ترشيح الجامعة لى لنيل هذه الجائزة ، والتى ما كنت لأحصدها لولا خالص دعمهم وصادق مساندتهم ، فلهم ولكل أساتذة جامعة المنوفية الكرام ، من رئيسها إلى أحدث معيد فيها ، وكذلك لجامعة الإسكندرية العريقة ، التى تخرجت منها ، ونهلت من بحر علمائها الجهابذة الأساطين ، أهدى هذا الإنجاز ، وأضعه - منحنيا - بين أيديهم .

  -  وبالطبع ، فإنى أهديه - بنفس الوصف – إلى كل أحبائى وأعزائى من طلابى وأصدقائى ، الذين كانت ستعوزنى بدونهم الوسيلة ، ويزيغ من أمامى القصد ، أولئك الذين كانوا فيضا دافقا أستقى منه الرشد والجدارة ، وقناديل أقتبس من نورها أضواء الشرف ومراتب الاستحقاق ، أولئك الذين طالما وجدتنى متلبسا بسكناهم فى بؤرة عقلى ، موجهين ومرشدين ، فأسقطتهم على قلمى وأوراقى كراما كاتبين . فلعلهم اليوم يمارسون الفرح عن نفسى بالوكالة ، ويسعدون عنها بالنيابة ، فأكون قد بادلتهم عطاء بفرح ، وقايضتهم رضاء ببذل .

  -  وفى النهاية ، إذا كان هذا التقدير قد جاءنى من مصر ؛ فلا يسعنى سوى أن أخر لله ساجدا ، ثم أهديه – عاجزا عن رد الجميل – إلى مصر ، أناسا وأرضا وسماء وشمسا وقمرا وهواء وترابا ونيلا وعطرا وسؤددا ، وبالجملة ، وطنا خرافيا يستعصى على الوصف ويعانده ، وتقصر بذاخة المفردات والتعابير عن رسمه وتعيينه ، وتضيق رحابة اللغة على الإحاطة بقدره ومقداره وقدرته. والحمد لله رب العالمين .

 أمين حافظ السعدنى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق