الجمعة، 30 مايو 2014

من سيتزوج أمى ؟ - د. أمين حافظ السعدني

منذ ثورة يناير 2011 وكلنا يترقب على أحر من الجمر : من يا ترى سيحكم مصر ؟ من سيكون الفرعون القادم ؟ من سيتزوج أمى كى يصبح عمى ؟ نشعر أن الأمد قد طال علينا ونحن أيتام نعيش بلا أب سياسى ، لقد أوحشنا كثيرا الاستبداد الفردى منذ قيام الثورة ، وإن كان ولاة أمر المرحلة الانتقالية لم يحرمونا منه ، فتولوا أمر البطش المؤقت أو القمع بالتجزئة ، ريثما يسلمونا بأمانة إلى الاستبداد بالجملة ، أى إلى رئيس أصلى دائم وليس( قائم بعمل )  رئيس محصن بغطاء دستورى مستمر ؛ وذلك كى لا يفطم المصريون دفعة واحدة من رضاعة الذل ، ولكى لا ينقطع التيار الاستبدادى أو تتوقف صيرورته السوسيوتاريخية على الأقل خلال مرحلة الزخم الثورى المعاش ، وكأن قهر المصريين فرض عين سياسى ، فى حين أراه أنا فرض كفاية ، إذا قام به شخص أوفصيل معين ، سقط التكليف عن بقية القوى السياسية .
وقد سألنى أحد طلابى ذات مرة : ولماذا تراه فرضا من الأصل ؟
فقلت ( وأقول دائما ) إن الاستبداد الشرقى أمر تذخر به كل أدبيات العالم ، والأهم أنه مذكور فى القرآن ( فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوما فاسقين ) وأغلب أسباب الاستبداد تعود إلى الشعب بمختلف تشكيلاته وكافة طوائفه وتنظيماته ، فقابلية المحكومين للاستخفاف هى مناط استبداد الحاكم وأساس استعلائه وتجبره وتألهه ، ومن ثم فإن قول الحاكم ( أنا ربكم الأعلى ) يأتى خطيئة لاحقة ، لخطيئة سابقة عليها فى الوجود المجتمعى ، وهى استعداد المحكومين غير المبرر أن يقولوا  للحاكم الفرعون بخشوع الرضا أو القهر ( آمنا بك ) .
فإذا كنا قد رضينا بالفرعون حاكما وبالديكتاتورية سبيلا وبالعنف السلطوى فلسفة حكم ، فلماذا إذن نرى القذى فى عين الحاكم ونجهل أو نتجاهل وجوده المزرى فى عيوننا ؟ لماذا عندما يعتلى سدة الحكم نردد بكل ما أوتينا من مواهب النفاق وعبقرية التملق أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟ لماذا تقوم وسائل إعلامنا وماكينات الدعاية المؤدلجة بالطبل والزمر والتهليل والتكبير الناعقين ؟ لماذا يقوم كثير من حملة أقلامنا بالتسبيح بحمده وتعديد نعمه وآلائه ومآثره وأمجاده وبطولاته وفتوحاته ؟ لماذا يبتهل خطباؤنا بالدعاء له فى كل المساجد والزوايا ودور العبادة بشكل لم يحدث مع أحد من الخلفاء الراشدين أو الصحابة أو التابعين ؟ لماذا يقوم مطربونا بالتغنى بإسمه على خشبات المسارح وصالات العرض ؟ لماذا يدبج فيه شعراؤنا أسمى قصائد المديح ، وكتابنا أرفع المقالات ، ومصورونا أبهى الرسومات ، ونحاتونا أفخم التماثيل والأيقونات ؟ لماذا نقدس مصافحته ونجل تلويحه لنا بالتحية ، ونعتبر حقوقنا عنده منحة منه ، وواجباته تجاهنا فضلا علينا ؟ لماذا نرى أنفسنا رعايا ولسنا مواطنين ؟ لماذا نفرط فى شرف المواطنة من أجل حفنة رعوية زائفة يلوح لنا بفتاتها ؟   وبالجملة ، لماذا نراه إلها يتواضع بالعيش معنا على الأرض ؟!!
الحق أننا الذى نصنع الطاغوت ونعبد الفرعون الإله ، حتى وإن جاء فى بداياته الأولى بشرا مثلنا ، يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ثم ما إن تزول وطأة قدميه من على أعناقنا ، عندما يغادرنا موتا ( عبد الناصر ) أو اغتيالا ( السادات ) أو خلعا ( مبارك ) فإننا نعاود سيرتنا الأولى ، فنقلب ظهر المجن للسابق ، ونهيل التراب على كل ماضيه ، حتى وإن كان فيه ما يستحق الإشادة أو بعض الذكر ، ونستعد لاستقبال الفرعون القادم ، لنمارس من جديد لعبتا القديمة المتجددة دوما ، والتى يمليها علينا بحتمية شديدة موروثنا الشرقى العريق ، وهو : من يتزوج  أمى لابد وأن يكون عمى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق