- أراهن عقليا بكل ما عرفت وما لم أعرف ، أنه لا مخرج لنا من هذا الدرب الحالك وذلك الطريق المرصوف بالتخلف والنكوص والقهر وكل صنوف الفساد ، إلا بامتلاء جديد لمحتوى الضمير ، إمتلاء يصاغ فيه الوعى بشكل تربوى ومنهجى وعقيدى مغاير لفلسفة ( الأنا ) وانتفاخ الذات ، تلك التى لا يردع تضخمها إلا عصا القانون ، ولا يزعها إلا وازع السلطان و بطش العقوبة . فالضمير - وهو مفهوم أوسع بكثير من كونه معيارا للحل والحرمة الدينيين فحسب - هو ( كل ) ما ( يضمره ) العقل من وعى ترسخ داخل الإنسان بشكل تراكمى منذ الصغر ، هو مجموعة الأوامر والنواهى التى تلقاها الإنسان منذ نعومة أظفاره ، والتى بمقتضاها يستجلى كل معايير الخطأ والصواب ، بما فيها الحلال والحرام ، الإيمان والكفر، النور والظلام ، الحرية والعبودية ... إلخ ، هو ذلك المخزون التربوى والمعرفى المترابط المتكامل الموجه لكل سلوكيات الإنسان ، والضابط المحدد لكل مساراته فى فضائه الحيوى الذى يعيش فيه .
- ولما كان كل امرىء سجين خبرته ، ينضح بمخزونه الضميرى ؛ ويتصرف وفقا لإملاءات وعيه ؛ فإن البئر إذا جفت أخرجت طينا بطبيعة الحال ، حينئذ ترى كائنات تتمسح بهتانا بالبشرية ، وترتدى زيفا أثواب الطهر وأردية القداسة ، وهى فى واقع أمرها تضمر بناءات فكرية هزيلة ، ويشكل ضميرها وعى شائه ، ربما شوهه السقوط من شروخ السلطة ، التى لا تولى اعتبارا لمن أسقطته من ثقوبها ، و ربما تكون التربية القومية المزيفة ، والمقصود بها العبث بالوجدان السياسى للأفراد ، هى التى أفرخت تلك الكائنات الممسوخة اجتماعيا ووطنيا ، ووضعتها خطأ فى صدارة المشهد .
- وأغلب ظنى – وليس كل الظن إثما - أن الأمر مشاركة بين الحكام والمحكومين ( وإن لم يكن بالضرورة مناصفة حسابية ) فمن خطل الرأى الاعتقاد فى نفض يد الحاكم من هذا الإثم السياسى ، وإلقاء الللائمة على كاهل المحكومين ، فالناس على دين ملوكهم ، وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا ، ولا يستقيم الظل والعود أعوج ، ورأس الدولة عنوان ضميرها ... إلخ . كما أن من سوء التقديرأيضا ، اعتبارالمجتمع هو الذى يبوء وحده بذنب فساد الضمير ، وأنه هو الذى يتحمل دون مليكه أوزار الرضوخ ومغبة الخضوع ... وأيا كانت النسبة ، فالكل (حكاما ومحكومين ) أصبح يمارس الحرام السياسى على الملأ ، ولم تعد المجاهرة بممارسته أمرا ممجوجا ، ولا رزيلة سلوكية ، يتوارى منها الضمير السليم خجلا . ولكن أيناه الضمير ...؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق